يُعَدّ متن الجزرية للإمام ابن الجزري رحمه الله من أهم المتون العلمية في علم التجويد، إذ جمع فيه خلاصة القواعد التي يستقيم بها نطق القرآن الكريم أداءً وتلاوة.
ومن الأبواب الدقيقة التي تناولها الناظم باب التاءات، وهو باب يُعنى ببيان مواضع التاء التي تُكتب تاءً في المصحف وتُلفظ هاءً عند الوقف، أو ما يُعرف بـ تاء التأنيث المربوطة.
وتبرز أهمية هذا الباب في أنّ ضبطه يقي القارئ من الخطأ في الوقف والابتداء، ويُعينه على فَهْم منهج الرسم العثماني وتوجيه القراءات.
شرح باب التاءات من الجزرية: قواعد الرسم وأثرها في الوقف
كان العرب يلحقون بالأفعال تاء يُسمونها (تاء التأنيث) للدلالة على أنَّ فاعل الفعل مؤنث؛ وهذه التاء هي تاء رسمًا ونطقًا، وصلًَا ووقفا، نحو:
ويُلحقون بالأسماء (هاء تأنيث)؛ تكون في الوصل تاءً في أغلب لهجات العرب وفي الوقف هاءً؛ وعلى لهجتهم كُتبّت أغلب هاءات التأنيث في القرآن العظيم؛ نحو:
بعض القبائل العربية كقبيلة (طَيّءِ و حِمْيَر) كانوا يصلونها تاءً ويقفون عليها تاءً. فقد روي أنه في إحدى معارك حروب الردة ضد مسيلمة الكذاب كان شعارهم "يا أصحاب سورة البقرثْ"؛ حيث كانوا يجعلون لكل معركة شعارًا؛ فعلى لهجة هؤلاء العرب كُتِبَت بعض الكلمات بالتاء المبسوطة؛ وهي قليلة في المصحف الشريف؛ نحو:
وهذه الكلمات التي كُتبت بالتاء المبسوطة رواها حفص لنا تاءً وصلاً ووقفا، ونقف عليها اختبارًا أو اضطرارًاً بالتاء المبسوطة ولا يْتَعمدُ ذلك.
كلمات كُتبت بالتاء المبسوطة
وقد أشار الإمام ابن الجزري إلى هذا الباب في مطلع المنظومة عندما قال عن أهل التجويد:
أي لم تكن تُكتب بهاء؛ بل كانت تكتب بتاء.
جمع لنا الإمام ابن الجزري؛ رحمه الله هذه الكلمات في أبيات، وقبل أن نشرع في ذكر الكلمات التي كُتبت بالتاء المبسوطة في القرآن العظيم لا بد من التنبيه إلى أمر يعد بمثابة المفتاح لهذه الأبيات.
أنواع الكلمات التي كُتبت بالتاء المبسوطة في القرآن العظيم
الكلمات التي كُتبت بالتاء المبسوطة في القرآن العظيم_ وهي هاء تأنيث نوعان:
1. نوع متفق على قراءته كما نراه في المصحف بالإفراد.
2. نوع اختلف فيه القرّاء الذين رووا لنا القراءات عن رسول الله عل؛ فمنهم من قرأ هذه الكلمات بالإفراد كقوله تعالى:
ومنهم من قرأها بالجمع (وألَقُوهُ في غَيَابَاتِ الْجُبِّ)؛ (كأنَّهُ جِمَالاَثٌ صُفْرٌ). فالذين قرؤوها بالإفراد هكذا رَوْوها عن سيدنا رسول الله وهكذا أنزلت؛ والذين قرؤوها بالجمع هكذا رَوَوْها عن سيدنا رسول الله وهكذا أنزلت. وسيأتي ذكر الكلمات المختلف فيها بين الجمع والإفراد في آخر الباب كما أخرها الإمام الجزري.
أولا: الكلمات التي اتفق القرّاء على قراءتها بالإفراد
هذه الكلمات التي كُتبت بهاء التأنيث إما أن تكون منونة أو أن تكون مضافة؛ فإذا كانت التاء منونة نحو:
فلا نبحث عنها في الأبيات؛ لأن التنوين علامة تنكير والإضافة علامة تعريف لا يجتمعان؛ أما إذا كانت التاء مضافة إلى اسم ظاهر فنبحث عنها في الأبيات إن وجدناها فهي بالتاء المبسوطة نحو:
إذن القاسم المشترك بين الكلمات التي رسمت بالتاء المبسوطة واتفق القراء على قراءتها بالإفراد أنَّها مضافة إلى اسم ظاهر.
أولا: ثلاث عشرة مفردة اتفق على إفرادها
وقد جمع الناظم؛ رحمه الله؛ الكلمات التي اتفق على إفرادها، وهي ثلاث عشرة مفردة نوردها فيما يلي:
قال الناظم رحمه الله:
(1) وَرَحْمَتُ
(1) وَرَحْمَتُ:
نعمتها
(2) نِعْمَت
نِعْمَتْهَا: الضمير (ها) يعود إلى أقرب مذكور كما هي العادة في لغة العرب وهو قوله:
(البقره)؛ أي (نِعْمَتُ الْبَقْرَة)؛ وكأنّه قال: (نِعْمَت) التي وردت في سورة البقرة. فاستخدم كلمة البقرة مرتين مرة بالاسم الصريح مع كلمة (رَخمّت) ومرة بالضمير مع كلمة (نِغْمَت).
جاءت (نغْمَة) في سورة البقرة مرتين
وقد جاءت (نغْمَة) في سورة البقرة مرتين:
والمبسوط منهما هو الموضع الأخير.
المواضع في سورة النحل
ثَلَاثْ نَحْلٍ: أي المواضع الثلاث الأخيرة في سورة النحل مبسوطة:
جاءت (نِعْمَة) في سورة النحل مضافة (5) مرات:
والمبسوط منها الثلاث الأخيرة.
إِبْرَهًمْ
إِبْرَهًمْ: إشارة إلى سورة إبراهيم؛ وإبرهم من اللهجات العربية في كلمة إبراهيم: فبعض العرب يقول: (إبراهيم)؛ وبعضهم يقول: (إبراهام)؛ والبعض يقول: (إبرهم).
مَعًا
مَعًا: يعني الموضعين في سورة إبراهيم؛ إذ جاءت (نِعْمَة) في سورة إبراهيم (3) مرات:
والمبسوط منها هما الموضعان الأخيران.
مواضع نعمت
لَعْنَتَ
(3) لَعْنَتْ
عِمْرَانَ لَعْنَتَ: كلمة عِمران تتعلق بكلمة نعمت؛ وبكلمة لعنت؛ لذلك بعد أن قال (عِمران) قال (لعنت بها)؛ أي كلمة لَعْنَت بسورة آل عِمرّان؛ فاستعمل الضمير هنا كما استعمله في (هود كاف البقرة نعمتُها).
جاءت (لعْنة) في آل عمران في موضعين:
والمبسوط منهما هو الموضع الأول؛ فكان على الناظم تقييده به ليخرج الثاني.
والنُّور:
وَامْرأَتٌ
(4) امْرَأت
وَامْرَاتٌ: يُوسُفَ
وَامْرَاتٌ: يُوسُفَ: يُوسُفَ: اسم منصوب بنزع الخافض (فِي). فأصل الجملة: (وَامْرَأت في سورةِ يُوسُفَ)، (يُوسُف) مجرورة ب (في)، وعلامة جرها الفتحة عوضنًا عن الكسرة لأنها ممنوعة من الصرف؛ فهي في الحالتين آخرها فتحة سواء كانت مجرورة ب (في) أم منصوبة بنزع الخافض.
وأينما جاءت (امرأة) في سورة يوسف؛ طالما أنها مضافة إلى زوجها؛ فهي بالتاء المبسوطة.
وقد جاءت (مْرَأتٌ) في سورة يوسف في موضعين كلاهما تاؤه مبسوطة:
عِمْرَانَ
الْقَصَصْ
تَحْرِيمُ
الأول والثاني في الآية (10):
والثالث في الآية (11):
وكلها تاؤها مبسوطة.
مَعْصِيَتْ
(5) مَعْصِيَتْ
مَعْصِيَتْ بِقَدْ سَمِع يُخْصّ: إشارة إلى سورة المجادلة. جاءت (مَعْصِيَتْ) في سورة المجادلة في موضعين:
وكلاهما تاؤه مبسوطة.
شَجَرَتَ
(6) شَجَرَتَ
شَجَرَتَ الدُّخَان: جاءت كلمة شجرت بالتاء المبسوطة في سورة الدُخان:
وما عداها في القرآن الكريم جاءت بالتاء المربوطة.
سُنَّتْ
(7) سُنَّتْ
سُنَّتْ فَاطِر كَُلًّا
سُنَّتْ فَاطِر كَُلًّا: جاءت سُنَّت ثلاث مرات بتاء مبسوطة في سورة فاطر لذلك قال (كُلًّا)، أي في المواضع الثلاثة من سورة فاطر في الآية (43):
والَانْفَال
والَانْفَال: في قوله تعالى:
غَافِر
وَأخْرَى غَافِر: أي الآية الأخيرة (85) من سورة غافر:
ولا يُفهم من (وأخرى غافر) أنَّ هناك أكثر من (سنت) لأنه ليس في سورة غافر كلمة (سنت) إلا في هذه الآية الأخيرة منها.
قُرَّتْ
(8) قُرَّتْ
قُرَّتُ عَيْنِ: في قوله تعالى:
وهنا قيد كلمة فُرّتَ بمجيء كلمة عَيْنِ بعدها، فخرج ما عداها من "قرة" بالتاء المربوطة؛ مثل قوله تعالى:
جَنَّتْ
(9) جَنَّتْ
جَلَتَ:ِ في وَقَعَتْ: إشارة إلى سورة الواقعة التي فيها كلمة وقعت:
فِطْرَتْ بَقِيَّتْ وَابْنَتٌ
(10) فِطْرَتْ
(10) فِطْرَتْ : في قوله تعالى:
ولم يقيدها بشيء؛ لا بسورة ولا بكلمة قرآنية أخرى تُدْخلها وتُخرج ما عداها، لأنه لا يوجد غيرها في القرآن العظيم.
(11) بَقِيَّتْ
(11) بَقِيَّتْ: في قوله تعالى:
وجاءت هنا مبسوطة لأنها مضافة؛ بخلاف:
فإنَّهما مربوطتان لأنهما منونتان وليستا مضافتين.
(12) وَابْنَتٌ
(12) وَابْنَتٌ: في قوله تعالى:
كَلِمَتْ
(13) كَلِمَتْ
(13) كَلِمَتْ: كَلِمَتْ أَوْسَطَ الَاعْرَافِ: أي وسط سورة الأعراف وهي قوله تعالى:
وقال: (أوسط الأعراف) لبيان الموضع أنه وسط السورة؛ وليس المعنى أن في سورة الأعراف ثلاثة مواضع والمقصود الأوسط.
تنبيه
كلمت من الكلمات التي اختلف فيها القراء بين الإفراد والجمع إلا أنها في هذا الموضع (وسط الأعراف) اتفق القرَّاءُ العشرة على قراءتها بالإفراد.
ثانيًا: الكلمات المختلف على قراءتها بالجمع والإفراد
قاعدة
ذكر لنا الإمام الجزري؛ رحمه الله؛ أنه توجد كلمات مختلف بين القرّاء في قراءتها بين الجمع والإفراد؛ ولكنه لم يورد هذه الكلمات في منظومته؛ إلا أن الشيخ مُحَمَّدُ بنُ أحمد المتولي؛ رحمه الله؛ جمع هذه الكلمات في أبيات نوردها فيما يلي؛ فالأبيات الآتية بمثابة تفصيل لما أجمله ابن الجزري»؛ رحمه الله في البيت الأخير.
اللؤلؤ المنظوم في ذكر جملةٍ مِنَ المَرسُوم
قالَ العلامةٌ الشيخ مُحَمَّدُ بن أحمدّ الْمُتوَلِي، رحمه الله (ت 1313ه) فِي منظومتهِ المسمّاة اللؤلؤ المنظوم في ذكر جملةٍ مِنَ المَرسُوم:
1. جِمَالات
1. جِمَالات: في قوله تعالى:
وقرأها حفص بالإفراد.
2 ءايَات
2 ءايَات: وردت في موضعين:
الأول: في يُوسُْفَ
الثاني: وَالعنكبوت:
وقرأها حفص بالجمع.
3. كَلِمَاتُ
3. كَلِمَاتُ: هذه الكلمة رسمت بالتاء المفتوحة في خمسة مواضع؛ واحد منها متفق على إفراده؛ وقد سبق ذكره عند الحديث عن قول الناظم: وكلمت أوسط الاعراف؛ أما المواضع الأربعة الأخرى فهي مما اختلف فيه القراء بين الإفراد والجمع؛ لذلك رسمت تاءاتها مفتوحة وهذه المواضع هي:
الأول: وَهْوَ فِي الطَّوْل: أي سورة غافر في قوله تعالى:
الثاني: مَعَ أَنْعَامِه: في قوله تعالى:
الثالث والرابع: ثُمَّ بِيُونْسَ مَعَا أي: موضعا سورة يونس وهما: قوله تعالى:
وقوله سبحانه:
وقرأها حفص بالإفراد.
4 الْغْرْفات: في سبَأْ: في قوله تعالى:
وقرأها حفص بالجمع.
5 َبَيّنَتْ
5 َبَيّنَتْ: في فاطِر: في قوله تعالى:
وقرأها حفص بالإفراد.
6 ثَمَرَاتٍ
6 ثَمَرَاتٍ: فَصَلَتْ: في قوله تعالى:
وقرأها حفص بالجمع.
7 غَيَابَتِ
7 غَيَابَتِ: غَيَابَتِ الْجُبّ: أي موضعي يوسف:
الأول:
والثاني:
وقرأها حفص بالإفراد.
خُلْفُ ثَانِي يُونُسَ
الحديث في هذا البيت عن كلمات ففي الموضع الثاني في سورة يونس وأشار إليه بقوله: وَخُلْفُ ثَانِي يُونُسَ؛ وموضع غافر، وأشار إليه بقوله: والطول. اللّذين سبق ذكرهما عند الحديث عن كلمات. وفي هذين الموضعين خلافٌ في رسمهما، ورسمهما بالتاء أكثر وأشهر وعليه العمل ولذا يوقف عليهما بالتاء.
الكلمات المتفق على قراءتها بالإفراد ورسمت بالتاء المبسوطة
الكلمات المختلف على قراءتها بين الجمع والإفراد ورسمت بالتاء المبسوطة
ختاما
يُظهر باب التاءات في متن الجزرية جانبًا مهمًّا من العناية بضبط القرآن الكريم، إذ يجمع بين قواعد الرسم وبين كيفية الوقف الصحيح على الكلمات.
وفهم هذا الباب يقيك من الوقوع في أخطاء قد تُفسد الأداء أو تُغيّر اللفظ عما أُنزل به. ولذا فإنّ دراسة هذا الباب والتمرّن على أمثلته ضرورة لك كطالب علم يسعى لإتقان أحكام التجويد، ويبتغي أن تكون تلاوته موافقة للرسم العثماني ولما تلقّاه القرّاء المتقنون.
والإلمام بمثل هذه الأبواب يفتح لك بابًا أوسع لفهم منهجية العلماء في خدمة كتاب الله، ويزيدك رسوخًا في ضبط أحكام التلاوة أداءً وعلماً.

.webp)
.webp)
.webp)
.webp)
.webp)
.webp)























































شرفنا بوضع تعليقك هنا، وعند أي استفسار سيتم الرد عليك بأسرع وقت ممكن بإذن الله.